تقنيات التسويق العصبي

تقنيات التسويق العصبي

 

التسويق العصبي: تقنيات حديثة لفهم عقل المستهلك وتحفيز قرارات الشراء

 

خلال السنوات الأخيرة، شهدنا تطوراً هائلًا في التكنولوجيا، وقد أثر هذا التقدم بشكل كبير على مختلف المجالات، ومن أبرز هذه المجالات كان التسويق. ومع ظهور التسويق العصبي، بدأنا نشهد تحولاً كبيرًا في كيفية فهم سلوك المستهلك واتخاذ قرارات الشراء. هذا النوع من التسويق يستخدم تقنيات علم الأعصاب لفهم كيفية استجابة أدمغة الناس للإعلانات والعروض المختلفة.

 

ما هو التسويق العصبي  Neuromarketing  ؟

التسويق العصبي هو مجال حديث يدمج بين علوم الأعصاب والتسويق لفهم سلوك المستهلك بشكل أعمق. عرّفه باحثون بأنّه تطبيق لعلوم الأعصاب والعلوم المعرفية لفهم وتأثير سلوك المستهلك وعملية اتخاذ قراراته الشرائية. ويهدف التسويق العصبي إلى كشف العمليات اللاواعية الكامنة وراء تفضيلات المستهلك مما يساعد الشركات على تصميم حملات إعلانية تستجيب للعوامل العاطفية والدوافع النفسية للمستهلكين . بعبارة أخرى، يوفّر استخدام تقنيات مثل EEG وfMRI بيانات مباشرة عن النشاط الدماغي للمستهلكين تجاه إعلانات أو منتجات معينة  وهو ما يزيد من دقة فهم دوافع الشراء مقارنة بالاستبيانات التقليدية.

 

تاريخ التسويق العصبي

 نشأ مفهوم التسويق العصبي في أواخر التسعينيات، حيث طوّر البروفيسور جيرالد زالتمان (جامعة هارفارد) تقنية ZMET لاستكشاف الوعي الباطن للمستهلك باستخدام صور تحفيزية. لاقت تقنية ZMET رواجًا سريعًا بين الشركات العالمية الكبرى مثل كوكاكولا ونستله وجنرال موتورز وبروكتر آند جامبل. في عام 2002 ظهر مصطلح “Neuromarketing” نفسه لأول مرة، وتطورت الدراسات منذ ذلك الحين لتستخدم فحوصات تصوير الدماغ وأدوات تحليل سلوكية لدراسة ردود فعل المستهلكين بشكل مباشر

 

التقنيات المستخدمة في التسويق العصبي

لتطبيق التسويق العصبي بشكل فعّال، يتم الاعتماد على عدة تقنيات متقدمة لقياس نشاط الدماغ وردود الفعل الفورية للمستهلكين، منها:

  • التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) : هي تقنية تُستخدم لمراقبة وتحليل التغييرات التي تحدث في الدماغ أثناء نشاط المستهلك. يساعد ذلك في تحديد كيف تؤثر المحفزات المختلفة على المناطق العصبية المرتبطة بالذاكرة والمشاعر، من خلال رصد التغيرات في تدفق الدم بالمخ لتحديد المناطق النشطة أثناء عرض الإعلانات أو المنتجات.
  • تخطيط كهربية الدماغ(EEG) : يقيس النشاط الكهربائي للدماغ من خلال حزام أو غطاء مزوّد بأقطاب ليكشف عن ردود فعل فورية عند مشاهدة المحتوى التسويقي.
  • تتبع حركة العين: (Eye-tracking) يستخدم برمجيات مراقبة العين لرسم “خرائط حرارية” تُظهر نقاط تركيز المستهلك في الإعلانات أو عبوات المنتجات. فهو أسلوب متقدم يُستخدم لفحص كيفية تأثير الألوان والتصاميم على نشاط الدماغ، مما يساعد في فهم التأثيرات العاطفية للمستهلكين عند مشاهدتهم لمنتج أو إعلان.

كما أن هناك أدوات قياس فسيولوجية أخرى مثل مراقبة معدل ضربات القلب والتوصيلية الجلدية (GSR) وتحليل تعابير الوجه للتعرّف على الاستجابات اللاشعورية للمستهلك.

 

كيف يعمل التسويق العصبي؟

يعمل التسويق العصبي على تحليل استجابات الدماغ لمختلف المحفزات التسويقية، فعند عرض إعلان أو صورة منتج، تُسجل الأجهزة المتطورة الاستجابة العصبية وتحدد مدى انتباه المستهلك ومشاعره في تلك اللحظة، فمن خلال هذه المقاييس يمكن للشركات اكتشاف المناطق الدماغية التي تنشط لدى المستهلك عند مشاهدة علامة تجارية أو منتج معين، مما يساعد الشركات في فهم تفضيلات المستهلكين. وبناءً على ذلك، يتم تعديل استراتيجيات التسويق وتعديل تصاميم المنتجات والإعلانات لزيادة التأثير الإيجابي؛ فعلى سبيل المثال أظهرت أبحاث التسويق العصبي أن تحسين تصميم لون وشكل العبوات يزيد من جاذبية المنتج للمستهلك.

 

تأثير الألوان والتصميم في التسويق العصبي

الألوان والتصميم ليسا خيارًا جماليًا فحسب، بل لهما تأثير عصبي واضح في قناعة المستهلك. أظهرت الدراسات أن اللون الأحمر يثير شعورًا بالإلحاح ويجذب الانتباه، فقد بينت شركات مثل كوكاكولا أن ألوان شعاراتها (الأحمر القوي مثلاً) صُممت لتوصيل القوة والثقة ، كما ينصح باللون الأحمر في لافتات التخفيضات لجذب الانتباه.

بالمقابل، يرتبط اللون الأزرق عادة بالثقة والطمأنينة؛ وقد وجدت بحوث حديثة أن اللون الأزرق يُعزز مستويات الثقة أكثر من الأحمر. كما  تؤثر أيضًا تفاصيل العبوة التصويرية والموسيقى المصاحبة في الإعلانات على مشاعر المستهلك؛ بشكل عام، يساعد تحليل الدماغ الشركات على اختيار الألوان والعناصر التصميمية التي تحفز المشاعر المطلوبة لدى جمهورها وتحفّزهم على الشراء. تتفاعل أدمغة المستهلكين مع هذه العوامل وتؤثر في قراراتهم الشرائية بشكل غير مباشر.

 

التسويق العصبي في الشركات العالمية

استثمرت العديد من الشركات العالمية الكبرى في التسويق العصبي لتحسين استراتيجياتها. على سبيل المثال، أجرت كوكاكولا دراسة شهيرة ضمت فحوص fMRI أثناء تناول المستهلكين لمشروبي كوكاكولا وبيبسي. وُجد أن إظهار العلامة التجارية (كوكاكولا أو بيبسي) يزيد من نشاط مناطق الدماغ المرتبطة بالعواطف والذاكرة، مما يؤكد أن معرفة العلامة التجارية تغيّر إدراك المستهلك للمنتج. كذلك، اعتمدت علامات تجارية كبرى (كوكاكولا، نستله، جنرال موتورز، وغيرها) تقنيات الزالتمان وغيرها لدراسة ردود فعل المستهلكين. هذه الدراسات مكنّت تلك الشركات من تصميم حملات تسويق أكثر استهدافًا وفعالية بناءً على فهم علمي للسلوك العصبي لجمهورها.

 

المخاوف الأخلاقية والتحديات

بالرغم من النجاح الكبير الذي حققه التسويق العصبي في العديد من المجالات، هناك بعض المخاوف الأخلاقية التي أُثيرت حول استخدام تقنيات مثل التصوير العصبي والتقنيات الغازية الأخرى في أبحاث التسويق. يرى بعض النقاد أن استخدام هذه الأدوات قد يتسبب في التلاعب بعقول المستهلكين، خاصة إذا تم استخدامها لتوجيههم نحو اتخاذ قرارات قد لا تكون في صالحهم بشكل كامل.

علاوة على ذلك، تتعلق المخاوف بتأثير هذه التقنيات على الخصوصية، حيث يمكن أن يتم جمع بيانات حساسة عن الأفراد من خلال فحص نشاطاتهم العصبية، مما يثير تساؤلات حول مدى أمان هذه المعلومات وكيفية استخدامها. وبناء عليه، يؤكد الخبراء وجوب وضع ضوابط صارمة والتأكد من أن تكون المقاييس العصبية شفافة ومحترمة لخصوصية المستهلك وحريته في الاختيار.

 

ففي عصر سريع التطور، أصبحت التقنيات العصبية أداة حيوية تساعد في تحسين استراتيجيات التسويق وفهم سلوك المستهلكين بشكل أعمق. من خلال التسويق العصبي، تستطيع الشركات تقديم تجارب أكثر تخصيصًا وفعالية، مما يزيد من فرص نجاح حملاتها التسويقية. ومع ذلك، يجب أن يتم استخدام هذه التقنيات بحذر وشفافية لضمان حماية حقوق المستهلكين.

 

حوّل رؤيتك التسويقية إلى إنجازات ملموسة من خلال تصميم برنامج تدريبي معنا بسهولة.

...